/ Forschung / Hisham Boumjout
دراسة سويسرية تكشف عن حدوث هجرة مناخية من الفيوم المصرية قبل 17 قرنا
توصلت دراسة علمية جديدة إلى أن الهجرات الجماعية التي عرفتها قبل آلاف السنين منطقة الفيوم، القريبة لنهر النيل، كانت بسبب مظاهر التغيرات المناخية المتمثلة أساسا في نقص الأمطار الموسمية التي أدت إلى معاناة السكان آنذاك من فترات جفاف قاسية.
كانت هذه المنطقة التي تقع على بعد حوالي 130 كلم، جنوب غرب العاصمة المصرية القاهرة، مركزا مهما للإمبراطورية الرومانية التي عرفت ازدهارا حضاريا لتربعها على مساحات خضراء وواحات مثمرة، لكن كل شيء تهاوى خلال القرن الثالث الميلادي، حيث اضطر السكان إلى الهجرة في صورة ما يعرف اليوم بالهجرة المناخية.
وحسب الدراسة التي أنجزها باحثون من جامعة بازل السويسرية University of Basel ونشرت في الدورية الأميركية Studies of Late Antiquity فإن هناك العديد من الآثار والأحافير التي تؤكد أيضا أن كل المحاولات التي قام بها سكان المنطقة للتأقلم مع التغيرات المناخية باءت بالفشل.
انفجار بركاني فاقم الأزمة
وقالت المشرفة على الدراسة سابين هويبنر في البيان الصحفي لجامعة بازل السويسرية الصادر في 25 يناير/كانون الثاني الجاري إن ندرة الأمطار الموسمية خلال النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي كانت على ما يبدو بسبب انفجار بركاني حدث حوالي 266 م بالقطب الشمالي.
وأوضحت الباحثة أن هذا الانفجار البركاني الهائل كانت له آثار سلبية على المناخ العالمي السائد آنذاك حيث لفظ البركان حمما وغازات ممزوجة بحمض الكبريتيك، مما تسبب في انخفاض درجة الحرارة بشكل محسوس في كامل أرجاء كوكبنا، والنتيجة أن المناطق الساخنة عرفت شحا في الأمطار لسنوات طويلة.
ويبدو حسب توصيف الباحثة أن مستوى مياه نهر النيل انخفض كثيرا إلى درجة أن سكان منطقة الفيوم أصبحوا غير قادرين على مواجهة الوضع رغم المحاولات الكثيرة التي قاموا بها لتجاوز المحنة.
وقالت الباحثة "تحليلاتنا لبعض البقايا والآثار في المنطقة تؤكد أن الكثير من سكان المنطقة، الذين كانوا يعتمدون على الفلاحة في معيشتهم، اضطروا إلى التحول من زراعة الحبوب إلى غرس الكروم، وهذا أحد أوجه التأقلم مع تغير المناخ، وهناك أيضا روايات تاريخية تشير إلى حدوث صراعات ونزاعات على مصادر المياه العذبة".
أسباب طبيعية للتغيرات المناخية
خلافا للكثير من آراء خبراء المناخ الذين يعتقدون بأن النشاط البشري هو السبب دائما في حدوث التغيرات المناخية، فإن هذه الدراسة تؤكد أن بعض الظواهر الطبيعة كانفجارات البراكين يمكنها التسبب في ذلك أيضا، وهو ما حدث خلال الفترة محل الدراسة التي دفعت بسكان منطقة الفيوم إلى التصرف بالطريقة التي يسميها خبراء البيئة اليوم بهجرة المناخ.
وعادت المشرفة على الدراسة لتقول "التغير المناخي الذي حدث بالقرن الثالث الميلادي لم يكن بسبب الفعل الإنساني كما معروف اليوم، وإنما كان بسبب ظاهرة طبيعية. لقد تأكدنا من خلال هذه الدراسة أن مظاهر التغيرات المناخية تختلف حسب اختلاف المناطق، فهناك مناطق تأثرت بالتصحر وأخرى عرفت جفافا ونقصا في الأمطار الموسمية".